Print Friendly, PDF & Email

Last Updated on 10/02/2014

الإعلام والتحولات العربية في كتاب جديد

أنطلقت ممارسات ثورية وإصلاحية واسعة في عدد كبير من البلدان العربية، ابتدأ أولها في 2010، كانت نقطة الشروع فيها تونس، حين أحرق محمد البوعزيزي نفسه، وأطلق العنان للتونسيين ليطيحوا بالرئيس زين العابدين بن علي، على خلفيات إنتشار الفساد والركود الإقتصادي وسوء الأحوال المعيشية، ناهيك عن التضييق السياسي والأمني، وعدم نزاهة الإنتخابات وتبعتها الاحداث وما رافقها من تحولات.
ويأتي كتاب (الإعلام والتحولات العربية: الثورة والاصلاح والانتخابات والديمقراطية)، للدكتور صفد حسام الساموك، مسؤول التدريب الإعلامي والتطوير الإلكتروني، في رئاسة جامعة بغداد، الذي صدر الأسبوع الجاري عن شبكة الإعلام العراقي، ضمن سلسلة (العراقية تطبع)، ليبحث في دور الإعلام العربي في هذا حراك السياسي المستمر، بعد أن تطرق لأبرز معالم الاستخدام السياسي للإعلام في ظل المتغيرات والمستجدات الدولية المعاصرة، ويبحث في مدى تمكّن التلفزيون الفضائي العربي من توظيف تطورات تقنيات الإتصال والمعلومات على مستوى العالم في مجال قيامه بالوظائف الديمقراطية.
ويتطرق الكاتب، الذي كان قد صدرت له كتب (الإعلام الجديد 2011)، و(التفاعلية الاتصالية وتسويق جهود اصلاح التعليم 2012)، و(التسويق الجامعي 2013)، والتي صدرت كلها عن جامعة بغداد، لدور المتغيرات السياسية والإيديولوجية والاقتصادية والتقنية باستعمالات الإعلام الحديثة، وتنامي علاقة الأثر السياسي المتبادل ما بينه وبين المجتمعات، وتحوّلات الوظائف السياسية للإعلام في ظل المتغيرات، وتقدّم بعدد من المهام التي يمكن أن تكون وظائف ديمقراطية للإعلام لخدمة المجتمعات والأفراد.. عارضاً أهم سمات المجال الإعلامي العربي.
ولاهمية التقنيات الالكترونية في المجتمعات الحديثة، يتناول (الإعلام والتحوّلات العربية) دور المنظومة التفاعلية الإلكترونية في تطور المجل الاعلامي المعاصر، متناولاً أشكال منظومات التفاعل الالكتروني من فضاءات الحوار الجماعي والصحافة الالكترونية والمدوّنات، ومدى إفادة العرب من هذه الأشكال الاتصالية الحديثة لتعزيز الوظائف الديمقراطية للإعلام، وحجم تأثيراتها في الرأي العام والنظم السياسية الحاكمة والمجتمع بشكل عام، لاسيما بعد أن صار لكل وسيلة منها المقدرة على الإقناع بالمضامين والرؤى والأفكار السياسية التي تتبناها.
ويناقش الأهمية السياسية للتلفزيون، بعدّه الوسيلة الأكثر رواجاً على المستوى الجماهيري، وتفاعل التلفزيون الفضائي العربي مع المتغيرات المعاصرة، ودور القنوات الفضائية العربية الخاصة في المجتمعات العربية، ويتقدّم بسمات عامة عن الواقع المعاصر للتلفزيون الفضائي العربي من جانبي المؤاخذات والمميزات، موصياً برؤى محددة لتفعيل مجالات الإفادة من هذه الوسيلة.
الكتاب الجديد يتابع بشكل سريع التحولات العربية التي اعقبت شرار الثورة العربية، الذي كان نتاج تأخر مساعي الإصلاح وعدم بلوغ الديمقراطية، الذي أمتد ليطيح بأربعة أنظمة حتى الآن، حين تمكنت ثورة 25 يناير المصرية، من إسقاط محمد حسني مبارك، وتبعتها احداث الأخوان، وتداعياتها المستمرة في الساحة المصرية على خلفية سقوط مرسي، وثورة 17 فبراير الليبية، بمقتل معمر القذافي، فالثورة اليمنية التي أجبرتت علي عبد الله صالح على التنحي. وأما الحركات الاحتجاجية فقد بلغت جميع أنحاء الوطن العربي، وكانت أكبرها  في سوريا، التي أخذت منحى عسكرياً، إلى جانب التحولات الديمقراطية في العراق، وصولاً إلى الانتخابات التشريعية 2014.. ومثلت مجريات هذا الواقع بمجلها تحوّلاً عربياً جديداً، أتسمت ملامحه بالثورة والإصلاح والديمقراطية.
في خضم تلك التحوّلات العميقة، وحين يكون الإصلاح وسيلة للحيلولة دون وقوع الثورة، أو لتأخير وقوعها.. وعندما ينتج عن الثورة طروحات مختلفة في الإصلاح، وبصرف النظر عن الخلاف العربي الدائر حول تحديد ما إذا كانت الديمقراطية تعني: نوعاً من أنواع السلطة الشعبية (صيغة حياة يكون فيها المواطنون مشاركين في حكم الذات وضبطها)، أم نمطاً من أنماط المساهمة في صنع القرار (وسيلة لشرعنة قرارات الحاكمين)، وما المدى الذي ينبغي أن تبلغه في مجتمعاتنا العربية.. يمكن الافتراض أن: نتاج التحوّلات في الدول العربية يعني إن شعوب هذه الدول يجب ان تؤدي حقوقها في الممارسات الديمقراطية، وان لها دوراً في إدارة البلاد، إلا أن في هذا الدور نواقص تقتضي الإصلاح.
وعلى صعيد الوعي السياسي والديمقراطي، يشير الكاتب الساموك في مؤلفه إلى ان مديات الإفادة إيجاباً من تلك التحوّلات، ترتبط ارتباطاً وثيقًا بنشر ثقافة ديمقراطية، ولا تقف أهمية التوعية الديمقراطية عند تلك الحدود، ذلك أن من بين إحدى التحديات التي تواجه التغيير الإجتماعي الناجم عن إجراء عمليات التغيير في المجتمعات العربية، تتمثل في ان زيادة المشاركة الشعبية في الأنشطة العامة، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة حدة الصراعات الإجتماعية، أثر ضعف قيم المجتمع التقليدي، وتآكلها تحت وطأة زيادة معدلات التعلم والتحضر، وهو ما يؤدي إلى وجود قيم جديدة تحل محلها.. وفي أثناء عملية التغيير، فان تغيير الولاء السياسي من الحزب الواحد إلى الولاء الوطني لن يكون مهمة سهلة، إذ إن البنى السياسية التقليدية تظل مؤثرة في أنماط السلوك لمدة طويلة، كونها عميقة الجذور في المجتمع.
إن ذلك كله، يستدعي وجود عملية مواجهة ديمقراطية مستمرة مع البقايا الراسخة من النظم التقليدية الحاكمة، تستدعي القيام بعمليات نفسية وإجرائية تستهدف أفراد المجتمع العربي، لجعلهم يؤمنون بأن الحكومة هي آلية من آليات تحقيق أهدافهم ومصالحهم.. ويستوجب ذلك، بواقع الحال استيعاب المجال السياسي العربي للتغيير المؤسسي، واستمرارية تغيير النظم الحاكمة فيه، وبالشكل الذي يكون فيه لدى الأفراد قابلية الموافقة على الأشكال والطرق الجديدة للسلطة وسبل تداولها، وإنتقاء السياسيين وفقاً لمعايير موضوعية، وليست تقليدية تشوبها العصبية.
ومثل هكذا عمليات نفسية وإجرائية يمكن أن يهيئ لها الإعلام، للإسهام في إحداث التغيير المطلوب، وهو ما ناقشه الكتاب الجديد نظراً لتزايد وانتشار وسائل الإعلام، وتطوّر استعمالاته على المستوى الإجتماعي العام، بعد أن صارت مشاركة المتلقي العادي في العملية الإعلامية مُيسّرة بفضل ما يسمى بظاهرة الاندماج التي تشير إلى الإستعمال الشامل للرقمية في الوسائل والتقنيات الإتصالية كافة، مما سمح بتشبيك تلك الوسائل التي كانت تعمل بشكل منفصل، وهو ما دفع إلى إنتاج مضامين إعلامية جديدة تقوم على مبدأ إحداث فضاءات للحوار والنقاش وإبداء الرأي، من منطلق أن للمتلقي العادي حق الكلام في المسائل السياسية أيضاً.

Comments are disabled.