Print Friendly, PDF & Email

Last Updated on 11/01/2012

تكريم رائد الفن وفارس المسرح

  تبنى الحضارات وتعمر بمبدعيها من علماء وفنّانين وأدباء ومفكرين …، ولا يمكن  أن ترقى الحضارة الإنسانية أو تعلو ما لم يكن هناك تقييم لأولائك المبدعين، ولأن جامعة بغداد تشكل حضارة إنسانية راقية، فإنها تعتزّ كثيرا في تقييم مبدعيها كلّ التقييم فتكن لهم كل الاحترام والتقدير البالغ، ذلك أن الجامعة تدرك جيدا مكانة المبدعين ودورهم الإنساني في بناء الإنسان والحضارة، من هنا كرّمت جامعة بغداد الأستاذ الدكتور عقيل مهدي يوسف عميد كلية الفنون الجميلة الأسبق، عن نشاطاته وإبداعاته الفكرية، وانجازاته الفنية الكبيرة، والتي لا يمكن حصرها لتنوعها وكثرتها، حيث كرّم مجلس جامعة بغداد برئاسة الأستاذ الدكتور موسى جواد الموسوي الدكتور عقيل مهدي خلال انعقاد مجلس الجامعة في برج الجامعة بالجادرية، وبحضور أعضاء المجلس كافة من مساعدي رئيس الجامعة الأستاذ الدكتور رياض عزيز هادي والأستاذ الدكتور بهاء طعمه جياد مع عمداء الكليات والمعاهد والمراكز العلمية، ليتم تقديم هدية تقديرية قيمة للدكتور عقيل مهدي، لكونه يمثّل صرحا مسرحيا جبارا، حيث يُعدّ من أبرز المخرجين العراقيين الكبار، ممن أرسوا القواعد الأكاديمية والعلمية والجمالية لفنّ المسرح في العراق والشرق الأوسط، عبر أعماله المسرحية الخالدة، والتي حصد عنها العديد من الجوائز العالمية في المهرجانات والمؤتمرات والمحافل الدولية الكبيرة، والتي رفعت اسم العراق عاليا، ليبقى العراق شامخا في محافل الإبداع والفن.


 مجلس الجامعة بأعضائه كافة دون استثناء، قد أشاد بجهود الدكتور عقيل ومنجزاته مدّة تسنّمه منصب العميد لكلية الفنون الجملية، التي أتحفت الوطن بأسمى معاني الفن والإبداع وأنبلها، عبر أعمالها الفنية الخالدة، في سفر الحضارة الإنسانية، وقد تحدّث رئيس الجامعة عن دور دكتور عقيل وجهوده الاستثنائية، وأعماله المضنية في قيادة كلية الفنون الجميلة خلال المدة المنصرمة، التي شهدت توترات سياسية وتدخلات للتيارات والآيدولوجيات في عمل بعض المؤسسات، كما أكّد رئيس الجامعة على الدور الذي أدّاه الدكتور عقيل في تطوير الواقع الفني لدى المبدعين واحتضانه الطاقات الفنية الشابة وبلورته للمزيد من الدماء الجديدة في الفن، لرسم أبهى حضارة إنسانية وأجمل ، عن طريق الفن والإبداع، وأضاف رئيس الجامعة في ثنائه على الدكتور عقيل أنه أسهم اسهاما مباشرا في رسم الصورة المشرقة للجامعة عبر أعماله الفنية وإنتاجاه الثر مع نتاج الكلية، التي اتضح رقيها والذي يمكن أن نتلمسه بشكل صريح عبر الدور الذي لعبه الدكتور عقيل في إعادة بناء وتنظيم الكلية لتحسين صورتها وعملها الأكاديمي والإداري، وذلك عبر عمله الدؤوب وعلاقاته الطيبة كفنان كبير على مستوى الشرق الأوسط والوطن العربي، فقد استطاع أن يحقق عددا كبيرا من المكاسب للجامعة وللكلية عبر إسهاماته الجادة والمخلصة في رفع اسم العراق عاليا، في فضاء السلام ليعكس صورة مشرقة وجميلة عن شعبنا العراقي الطيب.

  وقد أعرب الدكتور عقيل مهدي عن بالغ سروره بهذا التكريم من مجلس الجامعة، مبيّنا دور الجامعة في تبنيها الفنّ والابداع، عبر دعمها اللا محدود للمبدعين والمفكرين والعلماء، وبيّن أنّ المسيرة الإبداعية ستستمر في وطننا الحبيب لأنّ الوطن يمتلك من الخامات الإبداعية الفذة، وانّ المسيرة التي بدأتها طيلة عملي الفني والأكاديمي مستمرة بفضل وجهود الخيرين في الجامعة والكلية، وأنها لن تتوقف بل ستزداد رونقا وبهاء ولاسيما ان المسيرة الإبداعية الآن تسير على وفق قيادات وطاقات شابة مبدعة، وأرى أن الارتقاء يلوح في الأفق مع منهج الجامعة والكلية، التي ستستمر في عطائها دون انقطاع، وان مسيرة الكلية ماضية نحو الرقي، لرفع اسم العراق في المحافل الثقافية والمهرجانات والندوات والمشاركات الأخرى، ذلك أنّ الفنّ يرسم الحياة ويبرز وجه البلاد المشرق، وانّ الجامعة كانت ولا زالت تعتني وتقدم المزيد من الدعم والاهتمام، ووفّرت كلّ ما بوسعها من أجل أن تتطور وترتقي لأعلى المراتب، وأنني واثق بأنّ الكلية ستستمر بعطائها لتقدم كل ما تمتلك لتطوير وتحسين العمل الإبداعي لأعلى وارفع المستويات، وأضاف الدكتور عقيل مهدي أن النهج الديمقراطي تم تطبقيه في الجامعة على وفق المعايير القياسية، وان الإصلاحات قد تمّ تحقيقها عبر الوعي والإدراك وقبول الرأي والرأي الآخر وعلى وفق المنظومة الأكاديمية الدقيقة، التي تبنتها الجامعة في تحقيق المصلحة العامة وبناء المجتمع وبناء فكره الإنساني الصحيح.


 تخلّل التكريم كثير من الإطراء والكلمات الطيّبة بحق الدكتور عقيل مهدي من اغلب أعضاء المجلس، حيث أشادوا بانجازات الدكتور عقيل مهدي وأكدوا على قدراته الإبداعية وقيادته الإدارية المحنكة في ظل الظروف القاسية التي مرّ بها البلد، مشيدين بإدارة الدكتور عقيل مهدي التي اتسمت بالحكمة والنزاهة والتواضع الذي يلازم المبدعين والكبار، مؤكدين الصور الشاعرية التي رسمها عقيل مهدي والتي كانت جميلة للغاية في خلق جيل إبداعي ملتزم ومنضبط ومنفتح على العالم، ليحقق أجمل المشاهد الفنية وأروعها عن طيبة العراق وجماله.

  يُعدّ الدكتور عقيل مهدي رائدا للفن وفارسا للمسرح لما قدّم من أعمال نادرة وإبداعية في مسيرة المسرح العراقي، ولما قدّم أنفس المؤلفات المسرحية والأكاديمية وأروعها والتي تفوق أكثر من خمسين كتابا وبحثا علميا منشورا في أرفع دور النشر والمجلات العالمية وأرقاها ، ناهيك عن أنه قد ناقش واشرف على العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه في مجال الفن والأدب، وهنا لابدّ من أن نستذكر المزيد بحق هذا الصرح العلمي الكبير الذي رفد المكتبات والمسارح الفنية بتحفه الفنية الإبداعية من مسرحيات ومؤلفات متخصصة ونادرة، وقد وصفته العديد من الصحف ومؤسسات الإعلام بالعديد من الألقاب عن منجزاته الإبداعية، ومن بينها أسطورة جديدة للمسرح وللفن، وذلك لما أنجز وما قدّم من إبداع فكري وحضاري، ولعل ما وصفه الباحث والناقد المسرحي سعدي عبد الكريم، يعدّ وصفا منصفا للرائد المسرحي عقيل مهدي، حين وصفه بأنه مؤسسة جمالية في تفسير العرض المسرحي، وذلك بعد أن أخرج العديد من الأعمال المسرحية القيمة على مستوى العروض الأكاديمية.

  ولد الفنان المخرج د عقيل مهدي يوسف في الكوت عام 1951، أنهى البكالوريوس بجامعة بغداد كلية الفنون الجملية قسم الفنون المسرحية عام 1972 حصل على شهادة الماجستير والدكتوراه من جامعة فيتس / بلغاريا عام 1982-1983 تدرج بالوظائف بدءا من مدرب فنون في كلية الفنون الجملية مرورا بأستاذ في قسم الفنون المسرحية ومن ثمّ رئيسا لقسم الفنون المسرحية وانتهاء بمنصب عميد كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد، أصدر د. عقيل مهدي العديد من الكتب العلمية الأكاديمية في جملة من الاختصاصات الفنية وبخاصة في فن المسرح، منها الجمالية بين الذوق والفكر، والتربية المسرحية في المدارس، ونظرات في فن التمثيل، والواقعية في المسرح العراقي، ومسرح ما بعد الحداثة، ومتعة المسرح، جماليات المسرح الجديد، والتعريف الجمالي، والعملية النقدية، والسؤال الإبداعي، جاذبية الصورة السينمائية، أقنعة الحداثة في تاريخ الفن المعاصر، وأسس نظريات التمثيل، التقاط الجمال، والفضاء الجمالي للمسرح، وفي النقد المسرحي النظري والتطبيقي، وقد أشرف على جملة من أطاريح الماجستير والدكتوراه تعد بالعشرات، وقد شارك بالعديد من المؤتمرات و المهرجانات المسرحية العربية والدولية منها مهرجان القاهرة والمؤتمر العلمي الأول في طرابلس ومهرجان قرطاج وملتقى الإبداع الثاني الارجن، وقد كُرم بالعديد من الجوائز منها تكريم من وزارة التعليم العالي وشهادات تقديرية من نقابة الفنانين ورابطة النقاد ومعهد الفنون الجميلة وجائزة الإبداع في مهرجان حقي الشبلي ومهرجان السينما في ليبيا وملتقى الشارقة الثاني ومهرجان القاهرة التجريبي وقد كُرم أخيرا في مهرجان قرطاج المسرحي في تونس .


  قام د. عقيل مهدي بإخراج عدد من الأعمال المسرحية، منها فاوست لبول فاليري، وحلاق اشبيلية لبومارشيه، والمتوحشة لانوي، وموزارت وساليري لبوشكين، والغوريلا ليوجين اونيل، وتوراندوت لشيلر، وخلود كلكامش لعادل عبد الله، والضفادع لارستوفانيس، والتاجر والبهلوان لمحمد عبد الجبار، والمنقار لراينهارت، وجان دارك لانوي، والسحب لارستوفانيس، وله أعمال مسرحية من تأليفه وإخراجه، منها يوسف يغني، والصبي كلكامش، وماجد الدمشقي، ومن يهوى القصائد، والسياب، ومسرح أيام زمان الليالي، وظرفاء بغداد مع قاسم محمد، ومغامرات مسرحية، والسيدة والفرسان، والفيلسوف الطائر طرزان، وجواد سليم يرتقي برج بابل، والأبدية والقرصان، والصياد والسندباد، والضوءان، والمكان الجديد، والعازف البدوي، والفتاة البديلة، والمحطة، وامرأة غريبة الأطوار، والمستشرق جون، والرجل المهم، وعبر الانتر نت، والليلة الأخيرة لشهرزاد.. الخ.

  أسرة الموقع الالكتروني اختارت بعض ما قيل بحق فارس المسرح الدكتور عقيل مهدي، لتفتخر به كأسطورة إبداعية راقية تضاف إلى ذخائر جامعة بغداد الفكرية، حيث اختارت ما كتبه الناقد سعدي عبد الكريم، الذي كتب: شخصية عقيل مهدي كانت محط أنظار العيون النقدية المبصرة، وعيون المتلقي النخبوي والشعبي، والتي أيضا يشار إليها بالبنان النموذجي الأكاديمي العلمي، باعتبارها ملمحا مهما وكبيرا من ملامح الفطنة المُؤسسة لفعل التكوين الإنشائي أو البنائي للمشهد المسرحي، فلقد شاركت معظم أعماله المسرحية في المهرجانات الخارجية، وحصدت جوائز قيمة متميزة فيها، أن سِفر الفنان عقيل مهدي من الإسفار الخالدة في تاريخ المسرح العراقي، لقد نذر جل تاريخه الشخصي في تعليم فن المسرح والتنظير له، وهو من الذهنيات الأكاديمية الفذة الناهضة الراقية التي أخذت على عاتقها الاهتمام بعموم المنتج الفني، وسخّرت له مفاتن  طاقتها القصوى ورفدته بعلميتها وأفكارها ومنهجيتها النيّرة، وهو من المخرجين القلائل الذين اهتموا بالتركيز على التُراث المسرحي والثقافي والفني من خلال الاشتغال على مواطـن (السِير) لكبار عملاقة الفن في العراق، ولكبار الشخصيات العراقية بمختلف مخاصب الحياة الفكرية والثقافية والأدبية وكان بحسب رأينا مجموعة من المضامير والشُحن التواصلية التي أسست لنفسها مناخا توالديا لـ (الفرجة البغدادية) التي اعتمدت على الذاكرة المثنلوجية والشعبية مرتكزا ملحميا لها، لذلك نراه يلهث خلف مواطن الصورة الجمالية المبتكرة ليوظفها في بوتقاته التفسيرية الجمالية الملهمة، ليجعل منها بالدرجة الأساس كائنات حية تتقد فلسفيا مع اللحظة، مستثمرا مفاتن مخيلته الماهرة في توظيف شحناته الطرائزية وإحالتها إلى مشاهد مؤثثة تأثيثا راقيا في متن العرض المسرحي،  لتُحال تلك الشخصيات إلى كائنات حية متدفقة بالحياة ومتواشجة أيضا بذلك الكم الهائل من الوعي الذي يسمح لها بالولوج إلى ذاكرة هذا المبدع الكبير، ومن ثم لتستقر صورا ملاصقة لدائرة الإنصات والرؤية المعمقة داخل الذاكرة المتقدة الحية في مواطن الاستجابة لدى المتلقي .

  اهتم الدكتور عقيل مهدي أيما اهتمام بإحالة أدواته الإخراجيـــة عبر وظيفـة (الميزانسين) إلى مباهر جمالية تتحرك على خشبة المسرح، حركة ذات أبعاد إنسانية وأخلاقية وفلسفية وجمالية ممنهجة، لذا تراه في عروضه المسرحية قد متع العين المبصرة الثاقبة بتلك التكوينات الفائقة التشكيل، وأشاع البهجة في عمق اللون والتشكيل والتكوين، ومهد لتأسيس ملامح جديدة في المسرح العراقي التي أنشاؤها فوق دعامات وركائز جمالية استقت ملامحها من معالم خزينه الفكري والفلسفي العالي، واتقاد مرجعية النادرة الجودة والتي عاش جلّ فضاءاتها داخل استدراجاته لتلك المشاهد المتبلورة في رحم الجمال الذاكراتي والتي هي بالأصل مفاتن صباه وشبابه، ومخاصب التأسيس الابتدائي المبهرة المتقدة في حيثيات ملازم التنوع الفكري والأدبي والثقافي الذي بناه على وفق منظومة تزامن الحدث مع تلك النزعة اللحظوية التي فاقت بمداها التأسيس الرحب لباحته التخيلية الراقية، لتوقع في نفس المتلقي تلك الاستجابة من حيز اللا وعي المكنون في اللا مرئيات، إلى مراحل متقدمة من الوعي اللحظوي الآني، في ذات الوقت التلقي، والتي نعدّها مرحلة متقدمة من مراحل انجاز هيبة المعادلة التي تبدو لنا شخصيا، في نجاحاتها العرضية المتوالية، هي نتائج لإفرازات مهمة وواضحة الدقة في بلورة شخصية الفنان عقيل مهدي التكوينية التي أحالها بالرمة إلى مؤسسة جمالية تنحت لها مكانا متفردا في عالم التماثل أو المقاربة بين مضامين عروضه المسرحية، وبين تأثيثها ثانيا صوريا مرئيا رائعا، وتطبيعها لأفق البهجة والاستقراء ومن ثمّ ليحيل المتلقي بذات اللحظة القريبة من مناخات التفسير إلى مناهج التشاركية الفاعلة والمتفاعلة  مع الصبغة الجمالية والفلسفية لذات العرض.

       أسرة الموقع الالكتروني تحيي فنان المسرح وفارسه، وتقدّم له أسمى آيات التهاني والتبريكات لما قدم ولما سيقدم، من انجازات حافلة وكبيرة تنير طريق الإبداع والفن في سفر الحضارة الإنسانية، وان ذاكرة الفن والإبداع وذاكرة الأجيال ستبقى تحتفظ بمنجزات الدكتور عقيل بوصفه فارسا ورائدا للمسرح السينوغرافي، وان بصماته الإبداعية ستبقى خالدة مع خلود أعماله الفنية الراقية، لتكون محطة تاريخية في ذاكرة الفن والحضارة العراقية.


 

Comments are disabled.